تاريخ ردودكم نعرفه
رالف يونسقالتها في الماضي غولدا مائير، ونعيدها اليوم على مسامعكم: "أحرقنا المسجد الأقصى وخشينا من ردّة الفعل العربيّة والإسلاميّة، إلّا أنّنا في اليوم التالي رأينا العرب والمسلمين لم يحرّكوا ساكنًا."
هكذا نحن يا عرب؛ تُجتاح بلادُنا، وتُدمّر مُدنُنا، وتُهدَم منشآتُنا، وتُغتال قياداتُنا، وتُشرَّد شعوبُنا، وتُغتَصب نساؤُنا، ويُقتَل أطفالُنا... وأقصى ردود أفعالنا: استنكارٌ من هنا، واستهجانٌ من هناك. وإن بلغ بنا الغضب حدَّه، توعّدنا وهدّدنا بالثأر في "الزمان والمكان المناسبين"، ليضيعنا الزمان وينسانا المكان.
عن أي شهادة؟ عن أي كرامة؟ عن أي عزة تتكلّمون، والعرب قد أضاعوا بوصلة العدو؟ أأميركا هي العدو؟ أم إيران؟ أم إسرائيل؟ أم كلّهم؟ نعم، نحن شعوب تستحق أن ينوح رجالُها، بينما أميركا تدقّ أعناق زعاماتِنا. نعم، نحن شعوب تستحق أن تموت قياداتُها تحت صواريخ إسرائيل، طالما لم تعد الدماء تهزّنا، ولا مشاهد القتل تؤثّر فينا. وطالما أنّ جامعة الدول العربية يستعطَفها ويشدّها مشهد منكوبي أقاصي الأرض، أكثر من مشهد شعوبٍ عربيةٍ اُغتصبت، وشُرّدت، واندثرت. أين تلك "الرجولة" المزعومة عند القادة العرب؟
نشأنا على قناعة أنّ حكّامنا دومًا مسلوبي الإرادة والقرار، ومجرد حاشية تابعة للأجنبي، لا سيما الأميركي. حتى باتوا في كتب التاريخ وفي ذاكرة العالم رموزًا للتبعيّة والذلّ والمهانة. كما أنّ جيوشنا لا تنتصر إلّا في حروب وهميّة، أو في قمع شعوبها العزّل في الداخل. فإلى متى تحتمل الشعوب العربية الشهمة هذا الوضع المشين والمذلّ والمهين؟ إلى متى تبقى رهينة حكّام التبعيّة؟ متى تنهض القيادات من غفوتها ومن كبوتها، لتقف وقفة عزٍّ وشهامة، ولو لمرّةٍ في تاريخ العرب، لاسترداد الكرامة الوطنية والشخصية؟
لماذا يسمحون بتكريس حالة الخوف والجبن والتردد والشلل، وغياب القرار كلّما لزم التحرّك؟ لماذا يكتفون بردود فعل باهتة، لا تتعدّى الاستنكار والاستهجان؟ لماذا نغضب ولا نضرب؟ نتكلّم ولا نفعل؟ نلعن ولا نطرد؟ نفضح ولا نغيّر؟ نرضخ ولا نثور على القيد والذلّ والعار؟ لماذا نمعن في التفريط بالأرض والعِرض؟ لماذا لا نوقف هذا النزيف... نزيف الكرامة والآمال والأحلام؟ لماذا لا نعطي العالم والتاريخ سببًا واحدًا ليحترمنا ويغيّر نظرته إلينا؟
متى يصحو العربي؟ متى يغضب؟ متى يردّ الكيل كيلين؟ ألا تستفزّه سياسات الاستخفاف والاستهزاء بالإنسان العربي والدم العربي والكرامة العربيّة؟ ألا تجرحه تلك القناعة الساخرة لدى الإدارة الأميركيّة بأنّنا شعوب لا تغضب، ولا تجرؤ على ردّ الضربة؟ ألا يخيفه المصير الذي ينتظره إن استمرّ في صمته وجبنه وتردّده؟ ألا يعلم أنّه مجرّد رقم في حسابات الإدارة الأميركيّة، وعلى لائحة التصفية... ينتظر دوره؟
بالله عليكم، كفّوا عن هذا الهراء والتجابن والتخاذل الذي تسمّونه حكمة ودبلوماسيّة. وارتقوا، ولو لمرّة، إلى مصاف القادة الحقيقيين، الذين يقودون شعوبهم نحو شمس الحقّ والعدالة. قلّلوا من الاستنكار... واغضبوا، ولو لمرّة، رأفةً بما سيكتبه التاريخ عنكم، وبما سترويه شعوبكم عنكم. كفى.