عن وطن الرسالة الكذبة
رالف يونسنعم، هو تعايشٌ كاذب؛ هو قبولُ واقعٍ على مضض، وتأقلمٌ مع محيط لا يجمعنا به سوى هويّةٍ مجرّدة من كل معاني الوطنية، مدجّجة بكراهيةٍ نائمةٍ تنتظر كلّ فرصةٍ ممكنة لتنقضّ على الشريك في الأرض بحقدٍ لا مثيل له؛ حقدٍ لا يكنّه الفلسطيني لليهودي.
ثماني عشرة طائفة في وطن... لم ينجح يومًا في جعلها اتحاد مواطَنة، في سبيل ارتقائه إلى صفة "الوطن الرسالة" الذي تحدّث عنه البابا يوحنا بولس الثاني، حين رأى الصليب يعانق الهلال، ومسيحيّي ومسلمي لبنان بالملايين يتعانقون "من دون ضربة كف"، ليستخلص أنّ كل ما قيل عن صراع بين الطوائف لم يكن سوى كذبةٍ صنعها السياسيون لتأجيج الخلافات، وضرب العيش المشترك، تنفيذًا لأجندات ومصالح خارجية.
نعم، لقد آمنّا برؤياه لفترة من الزمن، لا سيما في بداية ثورة تشرين، حين شاهدنا ما شاهدناه من محاولات لجمع الساحات وتقريب المسافات عبر لقاء الشوارع والأمهات، بكل ما رافقها من سلميّةٍ وعناقٍ وتوزيعِ ورود. إلّا أنّ المشهدية الأكبر كانت في استفاقة الشعارات والهتافات الطائفية المُهدِّدة بكسر الفريق الآخر، كـ"شيعة شيعة" أو "سنّة سنّة"، وغيرها الكثير ممّا ردّده مناصرو الأحزاب في وجه الثوّار، أو في وجه بعضهم البعض.
فكيف لوطنٍ أن يكون رسالة محبة، وأجياله تنمو على طبقيّةٍ عنصريّةٍ فاجرة، تُقسّم الأفراد بعصبيّةٍ طائفيةٍ وعشائريّةٍ فاضحة؟ كيف لوطنٍ أن يكون رسالة تقارب، ومناطقه تُرسَم على أُسسٍ جيوسياسيةٍ واهية، تُلبِس السكّان سترةً دينيةً وحزبيةً واضحة؟ كيف لوطنٍ أن يكون رسالة تعايش، وأحزابه تُؤسَّس على أنظمةٍ إلغائيةٍ وقحة، تُثقّف الناخبين بشعاراتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ مقزّزة؟ كيف لوطنٍ أن يكون رسالة انفتاح، ومعابده تُبنى على عقليّةٍ رجعيّةٍ بالية، تُزوّج المؤمنين حسب قوانين شرعية ومذهبية متشدّدة؟
تريدون لبنان الرسالة؟ إليكم الحلول:
أقِرّوا دولةً مدنيّةً عادلة لا تُفرّق بين أبنائها على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمناطقيّة والحزبيّة والفكريّة، وتمنع انتهاك حقوق الأفراد من قِبَل أطرافٍ خارجة عن سلطتها، نصّبت نفسها شريكةً في الحكم، وتأخذ البلد أسير قراراتها العشوائيّة وسياساتها المتطرّفة.
افصلوا الدين عن الدولة، والمجتمع المدني عن المجتمع السياسي، بحيث لا تتدخّل الدولة في الشؤون الدينيّة، ولا تسمح لرجال الدين بالتدخّل في الشؤون السياسيّة، فلا تخضع الفعاليّات السياسيّة والاقتصاديّة لاحتكار أيّة سلطة دينيّة تابعة لمحور داخلي أو خارجي يُملي عليها أجندةً بمصالح خاصّة.
اعتمدوا قانونَ انتخاباتٍ عصريًّا متطوّرًا يُحاكي تطلّعات الشباب المنفتح، على قاعدة "لبنان دائرة انتخابيّة واحدة"، من خارج القيد الطائفي، ليُحقّق الانصهار الوطني ويَبني جسورًا بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم.
أوقفوا المحاصصات الطائفيّة والحزبيّة داخل المؤسّسات التشريعيّة والتنفيذيّة، وافسحوا المجال للطاقات البشريّة الكفوءة والمتخصّصة كي تقوم بإنقاذ البلد.
حرّروا النقابات من سيطرة الأحزاب، وأعطوها صلاحيّاتٍ استثنائيّةً لتنتشل قطاعاتها من الجمود، وتضخّ دماء الشباب في شرايينها.
توقّفوا عن تنظيم انتخابات النقابات الطلابية في الجامعات، حتّى نكفّ عن تعزيز التبعيّة لأحزاب... لا لوطن.
أعطوا المرأة حقّها في منح الجنسيّة لأبنائها من أبٍ أجنبيّ، لنمنحهم حسّ الانتماء والمواطَنة.
شرّعوا الزواج المدني بين أتباع ديانتين مختلفتين، طالما يجمعهما حبٌّ متبادل ورغبة في تأسيس أسرةٍ صالحة، تتمتّع بكامل حقوقها الاجتماعيّة والمدنيّة والاقتصاديّة أمام القانون اللبناني.
كل هذه القوانين والإجراءات... وغيرها الكثير ممّا عليكم تنفيذه، كي نصبح وطن الرسالة الحقّة... وإلّا، باقون كذبةَ وطن.