كش أسد

كش أسد

رالف يونس

تشير التحليلات السياسية للأحداث الأخيرة إلى إعادة ترتيب الأوراق على الساحة الدولية، حيث تركز القوى الكبرى على مصالحها الاستراتيجية التاريخية، ولو تطلّب ذلك تقديم تنازلات تكتيكية. العبارة الافتراضية "خذ زيلينسكي وأعطِنا الأسد" تلخّص ببراعة لعبة الشطرنج الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم. إنها لعبة معقّدة تجمع بين المصالح الاستراتيجية، والتحالفات المتغيّرة، والمساومات على المستويين الإقليمي والدولي.

قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وقف إطلاق النار في لبنان، رغم التقدّم الميداني ضد "حزب الله"، أثار العديد من التساؤلات. لماذا تتراجع إسرائيل، التي تسعى دائمًا إلى تصفية أعدائها الإقليميين، في هذه اللحظة الحرجة؟ يمكن تفسير ذلك من خلال استراتيجية إسرائيل المعروفة بـ"إدارة الجبهات": إغلاق جبهة حالية لفتح أخرى أكثر أهمية. يبدو أن نتنياهو أدرك أن التركيز على لبنان قد يعرقل خططه الأوسع المتعلقة بالضفة الغربية وسوريا وإيران. تتماشى هذه الاستراتيجية مع التحركات الإسرائيلية السابقة، حيث يتم تجميد جبهة مؤقتًا لإعادة توجيه الموارد نحو هدف أكبر. نتنياهو، كما يبدو، فضّل تجميد المواجهة مع "حزب الله" للاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية التي تتيح له التعامل مع خصومه الإقليميين الآخرين بفاعلية أكبر.

على الجانب الآخر، يبدو أن الغرب قرر استنزاف روسيا بشكل أعمق من خلال تقديم دعم استثنائي لأوكرانيا. إن السماح للجيش الأوكراني باستخدام ذخائر وقنابل محظورة سابقًا يعكس نية لتصعيد الصراع أو توريط زيلينسكي في خطوة قد تكون كارثية، ما يُعجّل بنهايته السياسية أو حتى الشخصية، فيتحوّل إلى "جائزة" تُقدَّم لروسيا مقابل التنازل عن الأسد. وبالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يبدو أن التفاهمات مع إسرائيل حول سوريا أصبحت أكثر واقعية في ظل الضغوط المتزايدة. فقد اختارت روسيا، التي دعمت نظام الأسد لعقد كامل، تقليص انخراطها في الساحة السورية مقابل مكاسب استراتيجية أخرى. رفع الغطاء عن نظام الأسد يعني فتح المجال أمام إسرائيل لتكثيف عملياتها ضد القوات الإيرانية و"حزب الله" في سوريا، ما يرضي تل أبيب ويُقلّل الضغوط الدولية على موسكو في ملف أوكرانيا. بوتين، الذي طالما لعب دور المدافع عن النظام السوري، ربما وجد أن هذه السياسة لم تعد تخدم مصالحه الاستراتيجية. فمن خلال "بيع" الأسد، تستطيع روسيا تخفيف التوتر مع الغرب وإسرائيل، بينما تترك النظام السوري يواجه مصيره أمام الضغوط الإسرائيلية والتركية.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل إيران كلاعب رئيسي في هذه المعادلة. فإسرائيل، بدعم غربي، ترى في إيران التهديد الأكبر، سواء من خلال برنامجها النووي أو دعمها للفصائل المسلحة في المنطقة. لذلك، قد تكون التفاهمات بين روسيا وإسرائيل جزءًا من خطة أوسع لضرب النفوذ الإيراني، سواء في سوريا أو في أماكن أخرى. وتشير التحركات الإسرائيلية الأخيرة إلى نوايا تصعيدية واضحة تجاه إيران، وقد تكون تنازلات بوتين جزءًا من صفقة أكبر تشمل تقاسم الأدوار والمصالح بين القوى الكبرى.

تعكس الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط وأوكرانيا إعادة تشكيل لخريطة التحالفات الدولية. وبين إسرائيل وروسيا والغرب، يبدو أن هناك توافقات غير معلنة تهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات والمصالح. في هذه اللعبة، قد تكون الخسائر الكبرى من نصيب اللاعبين الإقليميين الذين يُضحّى بهم لتحقيق مصالح القوى الكبرى. ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لهذه التحالفات المؤقتة أن تستمر؟ وما هي التداعيات طويلة المدى على دول المنطقة؟
الإجابات قد تأتي قريبًا، عندما تتضح الخطوات التالية على رقعة الشطرنج الدولية. فهل يقول نتنياهو لبوتين: "كش أسد"؟

العودة إلى المدونة