وطن الـــ "نصف ساعة"
رالف يونسلعلها العبارة التسويقية الأشهر في السياحة الداخلية، والتي لطالما رددناها تباهيًا بجغرافية وطن عشقناه حتى الثمالة: "نصف ساعة تفصل بين الجبل والساحل، ونصف ساعة تحتاجها للانتقال من قمم الثلوج إلى شاطئ البحر."
ولكن ما يجهله الغرب عن وطني أنَّ نصف ساعة تكفي أيضًا للانتقال من السلام إلى الحرب، ومن الاستقرار إلى الفوضى، ومن الكرامة إلى الذل. ففي نصف ساعة تقوم الثورة، ينهار الاقتصاد، نفقد أموالنا في المصارف، يُفجَّر مرفأ العاصمة ومحيطه، ونفقد بيوتنا وأرزاقنا وأحلامنا، وأحيانًا أطفالنا. نصف ساعة، وتجدنا شعبًا خارج الزمان والمكان نبحث عن أرض تستقبلنا وعن تاريخ ينصفنا. هذا هو قدر اللبناني؛ في بقعة اعتقدنا أنها نعمة، تحوّلت إلى نقمة، إذ قد تحمل نصف الساعة في طياتها كل شيء، من الأمل إلى المأساة.
ومع كل ذلك، يبقى اللبناني متمسّكًا بأرضه وهويته، متحديًا قسوة الزمن والجغرافيا، محاولًا في كل نصف ساعة إيجاد بارقة أمل بين الركام، وإعادة بناء ما تهدّم، لأن في أعماقه يظل حب الحياة والقدرة على النهوض أعظم من كل المآسي.
كتبت يومًا: "لو كان لبنان سيدًا لكنت له عبدًا، ولو كانت خطيئة لارتكبته عمدًا." نعم، سنرتكبك يا وطني، ولو كنت الخطيئة التي تُخرجنا من الجنة. سنحارب لأجلك بكل ما نملك من صبر، وبكل ما نمتلك من ثبات وإرادة، لأنك جزءٌ من ذواتنا ومن هويتنا التي نحملها في قلوبنا أينما ذهبنا. وسنسترجعك، ربما ليس في نصف ساعة، ولكن سنسترجعك... ولو كلفنا ذلك نصف العمر الباقي.