إني اليوم أعلنها... ثورة الكفّار

إني اليوم أعلنها... ثورة الكفّار

رالف يونس

يُطلَق مصطلح "الكفر" على كلّ فعل يُخالف المعتقدات الدينية بمختلف أطيافها، والتي تُعدّ، لدى البعض، منزلةً لا يُسمح بمناقشتها تحت أي ظرف من الظروف. وانطلاقًا من هذا، يُتَّهَم بالكفر كلّ من يحاول التشكيك أو التدقيق أو حتى السؤال، أو مَن يدعو إلى تحديث الاجتهادات والفتاوى.

ولأنّ في بلادي اعتاد الناس على تمجيد الحاكم والتسبيح بحمده وشكره، بل وَصَلَ الأمر عند بعض الفئات إلى تأليهه وتقديسه، وإسقاط بعض صفات الخالق، عزّ وجل، عليه، ومنحه الولاء المطلق لتُجدَّد له البيعة دون محاسبة أو مساءلة، نجدهم في ساحات القصور يحملون صور الزعيم، يقبّلونها ويهلّلون ويهتفون ضد كل دعوات التغيير، مطالبين بالتمديد والتوريث، ومُتَّهِمين دعاة المحاسبة والمحاكمة بالانقلاب والخيانة والعمالة... والكفر.

هؤلاء يشكّلون العقبة الأكبر أمام بناء الدولة، جاعلين منها مستنقعًا تعيش فيه طفيليات وجراثيم خطيرة، أبرزها: العصبية القبلية، العصبية الحزبية، الطائفية، الأمية، الفقر، الجهل، الحقد، العمالة، التخوين، وغيرها من الآفات التي تنهش شبابنا، وتُنعش خطاب الانقسام والعصبيات، وتُفرز المكونات اللبنانية إلى وطني وخائن، آدمي وأزعر، حرّ وتابع.

هؤلاء هم مَن يشجّعون الفساد بكل أشكاله، لأنّ الفساد السياسي يقود بالضرورة إلى فساد في الاقتصاد والإدارة والخدمات. فالشعوب التي تُقدّس حكّامها وتمنع محاسبتهم، تتحوّل تلقائيًا إلى معارضة لأيّ تغيير، معتقدةً أنّه مجرّد انقلابٍ شيطاني منظّم، مموَّل من سفارات وجهات "كافرة" بمولانا الزعيم.

ما نطمح إليه اليوم هو حركة سياسية معاصرة، تنطلق من انتماء وطني لا مذهبي، وتنفيذ تصوّر سياسي واقتصادي واجتماعي يحمي مصالح الشعب، بعيدًا عن الولاء للزعيم أو القائد. ومن هنا، تأتي أهمية الديمقراطية المعاصرة القائمة على البرامج لا الأشخاص، والتي ابتكرت آليات للتداول السلمي على السلطة داخل الأحزاب والمؤسسات، بما يتماشى مع ثقافة الدولة الحديثة.

المهمة ليست سهلة، خاصةً أنّ أفكار وأساليب الطبقة الحاكمة تَسَيَّدت الحياة السياسية اللبنانية لأكثر من ثلاثين سنة، وتجذّرت عميقًا في مؤسساتها ومفاصلها، حتى بات من الصعب اقتلاعها... ولكن ليس مستحيلاً.

ومهما نشرت تلك الطبقة من روايات تضليلية ضد الثورة الشريفة، مُحاوِلةً إدخالها في سياق المؤامرات الخارجية والتخوين، ستبقى حقيقة فسادها ساطعة، وسيظلّ سيف الساحات الحرة مُسلّطًا على رقاب مسؤوليها حتى بزوغ فجر العدالة، وإنزال القصاص بكلّ فاسد وناهب لأموال الناس.

وعلى بقايا المستزلمين والمُنتفعين من السلطة الفاسدة، التي سقطت شرعيتها أمام الشعب، أن يُدركوا أنّ ما قبل الثورة قد ولّى بلا عودة. ومهما حاولوا قمع مسيرة التغيير، أو الوقوف في وجه إرادة الشارع، فإنّهم فقط يستدرجون البلاد إلى مأزق أمني يعيدنا إلى أجواء الحرب الأهلية والانقسام والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، ويُعطّل كلّ مشروع إصلاحي نحو الدولة المدنية.

لذلك، أقول لمن يراهن على تعب وسأم الثوار: أنتم واهمون.

وإنْ كانت ثورتنا لإسقاط زعاماتكم أشباه الآلهة تُعتبر "كفرًا"، فإنّي اليوم أُعلنها... ثورة الكفّار.

العودة إلى المدونة